کد مطلب:280447 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:170

الخفوت و الظهور
وكان من آثار عدم الروایة. التعتیم علی أهل البیت، وذلك لأن الأمر بحرق الكتب. أطاح بالعدید من الأحادیث التی تبین منزلة أهل البیت ومناقبهم، ویشهد ذلك ما رواه الخطیب البغدادی عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبیه قال: جاء علقمة بكتاب من مكة أو الیمن.

صحیفة فیها أحادیث فی أهل بیت النبی (ص)، فاستأذنا علی عبد الله، فدخلنا علیه فدفعنا إلیه الصحیفة، فدعا الجاریة ثم دعا بطست فیها ماء، فقلنا له: یا أبا عبد الرحمن انظر فیها. فإن فیها أحادیث حسانا، فجعل یمیثها فی الماء، ویقول (نحن نقص علیك أحسن القصص بما أوحینا إلیك هذا القرآن) القلوب أوعیة فاشغلوها بالقرآن. ولا تشغلوها بما سواه. [1] .

ویشهد بذلك أن علیا عندما تولی الخلافة لم یكن السواد الأعظم یعلم عن منزلته ومناقبه شیئا، حتی أنشد بالله كل امرئ مسلم سمع النبی (ص) یقول من كنت مولاه فعلی مولاه أن یقوم. وكان قد جمعهم فی الرحبة. ولم یعرف العوام مناقبه إلا من خلال ما رواه الصحابة بعد ذلك وكان العدید من الصحابة یتحدثون فی مجالسهم الخاصة عن مناقبه، ولكن هذا الحدیث لم یكن یخرج إلی الساحات العامة، وفی مقابل هذا التعتیم، كان لعدم الروایة الأثر الكبیر فی ظهور الذین حذر منهم النبی (ص) وهو یخبر بالغیب عن ربه، ویشهد بذلك ما روی عن حذیفة أنه قال: والله ما أدری أنسی أصحابی أم تناسوا، والله ما ترك



[ صفحه 318]



رسول الله (ص) من قائد فتنة إلی أن تنقضی الدنیا بلغ من معه ثلثمائة فصاعدا، إلا وقد سماه لنا باسمه واسم أبیه واسم قبیلته [2] ومعنی أم تناسوا أی أظهروا النسیان لمصلحة، ومعنی باسمه واسم أبیه یعنی وصفا واضحا مفصلا لا مبهما، مجملا فالاستقصاء متصل.

وروی عن حذیفة أنه قال: إن المنافقین الیوم شر منهم علی عهد النبی (ص)، كانوا یومئذ یسرون والیوم یجهرون، [3] وقال: إنما كان النفاق علی عهد النبی (ص)، فأما الیوم فإنما هو الكفر بعد الإیمان، [4] وحذیفة مات بعد مقتل عثمان بأقل من شهر، وكان مریضا، وعندما علم بأن الناس بایعوا علی بن أبی طالب، بایع وهو علی فراش المرض، وحث الناس علی الالتفاف حول علی بن أبی طالب وعمار بن یاسر، وأمر ولداه بالقتال مع علی، فقاتلا تحت أعلام الإمام علی، حتی قتلا. [5] .

وبعد ظهور النفاق فی ظل سیاسة اللاروایة، خاف الصحابة فلم یحدثوا بالأحادیث الكاشفة، ویشهد بذلك، ما رواه البخاری عن أبی هریرة قال: حفظت من رسول الله (ص) وعاءین. فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم،، [6] وعنه أنه قال: قال رسول الله (ص) هلاك أمتی علی یدی غلمة من قریش إن شئت أن أسمیهم بنی فلان وبنی فلان [7] وعنه أنه قال: إنی لأحدث أحادیث. لو تكلمت بها فی زمان عمر، أو عند عمر، لشج رأسی. [8] .



[ صفحه 319]



ویشهد به أیضا، ما روی عن بجالة قال. قلت لعمران بن حصین:

حدثنی عن أبغض الناس إلی رسول الله (ص)، فقال: تكتم علی حتی أموت؟ قلت: نعم، قال: بنو أمیة وثقیف وبنو حنیفة. [9] ومن الثابت والمعروف أن بنی أمیة شقوا طریقهم نحو السلطة بعد وفاة النبی (ص).

بتأمیر أبی بكر رضی الله عنه لیزید بن أبی سفیان علی الشام. [10] وبعد وفاة یزید. قام عمر بتأمیر معاویة. [11] وروی أن عمر كان یقول للناس:

أتذكرون كسری وعندكم معاویة، [12] وقال لهم عندما ذكروا معاویة: دعوا فتی قریش وابن سیدها. إنه لمن یضحك فی الغضب. ولا ینال منه إلا علی الرضا. [13] .

وأحادیث النبی (ص) التی یحذر فیها من بنی أمیة، أحادیث كثیرة، منها: ما روی عن أبی ذر أنه قال. قال رسول الله (ص) إذا بلغ بنو أمیة أربعین رجلا، اتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودین الله دغلا. [14] ومعنی (مال الله دولا) أی یكون لقوم دون قوم (وعباد الله خولا) أی خدما وعبیدا (ودین الله دغلا) أی یدخلوا فی الدین أمور لم ترد بها السنة.

والحدیث روی عن أبی سعید الخدری وابن عباس وأبی ذر، ورواه الإمام أحمد والحاكم وأبو یعلی والطبرانی والبیهقی، وروی بلفظ إذا بلغ بنو أبی العاص وبلفظ إذا بلغ بنو فلان، وقال الحاكم بعد



[ صفحه 320]



روایته للحدیث: لیعلم طالب العلم، أن هذا باب لم أذكر فیه ثلث ما روی، وأن أول الفتن فی هذه الأمة فتنتهم، ولم یسعنی فیما بینی وبین الله تعالی. أن أخلی الكتاب من ذكرهم. [15] .

والخلاصة: كان لسیاسة اللاروایة والتدوین آثار جانبیة، منها: اكتفاء الناس بتلاوة القرآن دون الوقوف علی معانیه وأهدافه، وأدی ذلك إلی ظهور الذین یقرؤون القرآن لا یجاوز تراقیهم، وفی عهد الإمام علی ظهرت حقیقتهم أمام الناس، وحاربهم الإمام فی موقعة النهروان، وما زالت بقیتهم فی أصلاب الرجال وأرحام النساء لأن منهجهم وثقافتهم لن تموت حتی یخرج الدجال، ومنها: ظهور الذین لعنهم الله علی لسان نبیه بعد أن ضاع التحذیر منهم فی عالم اللاروایة، ومنها التعتیم علی الهداة. واقتصر ذكرهم فی المجالس الخاصة، ومنها ظهور القص وعلی مائدته صنعت مناقب وتواریخ لقوافل لا تحمل من العلم إلا قشوره، وعلی القص ظهرت ثقافات التحمت مع ثقافة أهل الكتاب، وتشهد بذلك عقیدة الجبریة یقول الشیخ محمد أبو زهرة: أول من دعا إلی هذه النحلة من المسلمین الجعد بن درهم، وقد تلقی ذلك عن یهودی بالشام، لأن الیهود أول من فعل ذلك وعلموه بعض المسلمین وهؤلاء أخذوا ینشرونه، [16] ولقد استغل بنو أمیة هذه العقیدة فی إخضاع المسلمین، بحجة أن قیادتهم مفروضة علیهم بقضاء الله وقدره، وأن أی تمرد علیهم هو تمرد علی قضاء الله، ولقد قامت هذه العقیدة علی أحادیث وضعها القصاص، كان الهدف من ورائها تزییف النشاط الإنسانی منذ بدء الخلق إلی قیام الساعة والتطوع بالوحی كله، وتحت أعلام عقیدة الجبر انطلقت جحافل بنی أمیة إلی دیار المسلمین،



[ صفحه 321]



بعد أن مهد القص والأحادیث الموضوعة طریقهم نحو اتخاذ دین الله دغلا، لیتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا، وقتلوا الذین یأمرون بالقسط من الناس، من أمثال حجر بن عدی والحسین بن علی وغیرهما.

ولم تكن عقیدة المرجئة بعیدة عن نسیج القصاص. لأن الأحادیث الموضوعة هی التی غذتها، وعلی ذروة عقیدة المرجئة یجلس یوحنا الدمشقی، وهو آخر كبار علماء النصرانیة علی مذهب الكنیسة الإغریقیة، وكان أبوه صاحب عبد الملك بن مروان، وصنف یوحنا كتاب فی فضائل النصرانیة علی منهج محادثة بین مسلم ونصرانی [17] وقال الشیخ أبو زهرة كان یوحنا یبث بین علماء النصاری فی البلاد الإسلامیة طرق المناظرات التی تشكك المسلمین فی دینهم، وظهرت آراء یوحنا بالشام، بعد أن وجدت لها حصنا صنعه القص والأحادیث الموضوعة، ومن خلال هذا الالتقاء. تطرق البحث حول مرتكب الكبیرة، هل هو مؤمن أم غیر مؤمن؟ وهل یضر مع الإیمان ذنب؟ وعلی مائدة البحث خرجت العقیدة التی تعتذر عن بنی أمیة فیما ارتكبوه من جرائم، بمعنی: لقد ضربوا بعقیدة الجبریة. واعتذروا بعقیدة المرجئة، التی تقول بأنه لا ینبغی المفاضلة بین المسلمین ولا الحكم علی أحد بتقوی وغیر تقوی، فالمسلم یكفی أن یكون مسلما، وبهذه العقیدة تم الافتراء علی الله ورسوله بتغییر الأحكام الشرعیة. وإظهار البدع والباطل، وقولهم أن الأمة مرحومة والله رفع العذاب عنها، وإنهم فی أمن من عذاب الله وإن انهمكوا فی كل إثم وخطیئة وهتكوا كل حجاب، والأمة مغفور لها محسنهم ومسیئهم. وإن لهم الكرامة فی الدنیا. ولهم أن یفعلوا ما شاؤا بعد أن استظلوا بمظلة حجاب الأمن. ولهم فی الآخرة



[ صفحه 322]



مغفرة توجب فتح أبواب الجنة أمامهم. وبعقیدة المرجئة اشتد الساعد بعد أن ارتدی قفازا من حریر فی الوقت الذی یحتفظ فیه بقبضته الحدیدیة. وملئت الأرض ظلما وجورا.


[1] تقييد العلم / الخطيب ص 54.

[2] رواه أبو داوود 4243.

[3] رواه البخاري (الصحيح 230 / 4).

[4] رواه البخاري (الصحيح 230 / 4).

[5] أنظر: معالم الفتن / سعيد أيوب.

[6] البخاري (الصحيح 34 / 1).

[7] البخاري (الصحيح 280 / 2).

[8] رواه ابن عبد البر (جامع العلم 148 / 1) وابن كثير (البداية والنهاية 107 / 8).

[9] نعيم بن حماد (كنز العمال 274 / 11).

[10] تاريخ الأمم والملوك 28 / 4.

[11] ابن سعد (كنز العمال 606 / 13) البداية والنهاية 118 / 8، تاريخ الأمم 69 / 5، الإستيعاب 596 / 3.

[12] تاريخ الأمم 184 / 6، الإستيعاب 596 / 3.

[13] الديلمي (كنز 587 / 13) البداية والنهاية 125 / 8، الإستيعاب 597 / 3.

[14] الحاكم وصححه (المستدرك 479 / 3).

[15] المستدرك 482 / 4.

[16] تاريخ المذاهب الإسلامية / أبو زهرة 102 / 2.

[17] تاريخ الأدب العربي / بروكلمان 256 / 1.